الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: معارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول (نسخة منقحة)
.الأمر بقتال من تولى وأبى: (وَكَلَّفَ اللَّهُ) تَعَالَى أَيْ: أَمَرَ أَمْرَ افْتِرَاضٍ (الرَّسُولَ المجتبى) نبينا محمدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (قِتَالَ) مَفْعُولُ كَلَّفَ الثَّانِي (مَنْ عَنْهُ) عَنِ التَّوْحِيدِ (تَوَلَّى وَأَبَى) أَيْ: أَعْرَضَ وَامْتَنَعَ (حَتَّى) غَايَةً لِلْقِتَالِ (يَكُونَ الدِّينُ خَالِصًا لَهُ) أَيِ: لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ (سِرًّا وَجَهْرًا) لَا مُعَارِضَ لَهُ وَلَا مُشَاقَّ (دِقُّهُ وَجُلُّهُ) أَيْ: قَلِيلُ الْعِبَادَةِ وَكَثِيرُهَا، وَصَغِيرُهَا وَكَبِيرُهَا.قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ} [التَّوْبَةِ: 73]، الْآيَةَ، وَقَالَ تَعَالَى: {فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا} [النِّسَاءِ: 84]، وَقَالَ تَعَالَى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ} [الْبَقَرَةِ: 193]، وَقَالَ تَعَالَى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلَاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ} [الْأَنْفَالِ: 38-40]، وَقَالَ تَعَالَى: {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا} [التَّوْبَةِ: 5]، يَعْنِي: رَجَعُوا عن الشرك إلى التوحيد {وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ فِي الْبَقَرَةِ وَآلِ عِمْرَانَ وَالنِّسَاءِ وَالْأَنْفَالِ وَالتَّوْبَةِ وَالْقِتَالِ وَالْحَدِيدِ وَالصَّفِّ وَغَيْرِهَا، وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ، وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ، وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّ الْإِسْلَامِ، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ» الْحَدِيثُ فِي الصَّحِيحِ، وَلَوْ ذَهَبْنَا نَذْكُرُ آيَاتِ الْجِهَادِ وَأَحَادِيثَهُ لَطَالَ الْفَصْلُ، وَلَيْسَ هَذَا مَوْضِعَ بَسْطِهَا.(وَهَكَذَا) كَمَا كُلِّفَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِجِهَادِ الْكُفَّارِ (أُمَّتُهُ) الْمُسْتَجِيبُونَ لَهُ (قَدْ كُلِّفُوا بِذَا) أَيِ: الَّذِي كُلِّفَ بِهِ (وَفِي نَصِّ الْكِتَابِ) الْقُرْآنِ (وُصِفُوا) أَيْ: بِذَلِكَ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا} [الْفَتْحِ: 29]، الْآيَةَ.وَقَالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ} [الْمَائِدَةِ: 54]، وَالْآيَاتِ قَبْلَهَا وَبَعْدَهَا، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ إِلَّا قَوْلُ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التَّوْبَةِ: 111]، لَكَانَتْ هَذِهِ الْآيَةُ كَافِيَةً فِي نَعْشِ الْقُلُوبِ وَتَهْيِيجِ النُّفُوسِ وَتَشْوِيقِهَا وَحَمْلِهَا عَلَى تِلْكَ الْبَيْعَةِ الرَّابِحَةِ الَّتِي لَا خَطَرَ لَهَا، وَلَا يُحَاطُ بِعِظَمِ فَضْلِهَا، وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ. .فَضْلُ شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ: (وَقَدْ حَوَتْهُ) أَيْ: جَمَعَتْهُ وَاشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ (لَفْظَةُ الشَّهَادَةِ) أَيْ: شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ (فَهْيَ) أَيْ: هَذِهِ الْكَلِمَةُ (سَبِيلُ الْفَوْزِ) بِدُخُولِ الْجَنَّةِ وَالنَّجَاةِ مِنَ النَّارِ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ} [آلِ عِمْرَانَ: 185]. (وَ) هِيَ سَبِيلُ (السَّعَادَةِ) فِي الدَّارَيْنِ أَيْ: طَرِيقُهُمَا لا وصول إليها إِلَّا بِهَذِهِ الْكَلِمَةِ، فَهِيَ الْكَلِمَةُ الَّتِي أَرْسَلَ اللَّهُ بِهَا رُسُلَهُ وَأَنْزَلَ بِهَا كُتُبَهُ، وَلِأَجْلِهَا خُلِقَتِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ وَالْجَنَّةُ وَالنَّارُ، وَفِي شَأْنِهَا تَكُونُ الشَّقَاوَةُ والسعادة، وبها تؤخذ الْكُتُبُ بِالْيَمِينِ أو الشمال، ويقل الْمِيزَانُ أَوْ يَخِفُّ، وَبِهَا النَّجَاةُ مِنَ النَّارِ بَعْدَ الْوُرُودِ، وَبِعَدَمِ إِلْتِزَامِهَا الْبَقَاءُ فِي النَّارِ، وَبِهَا أَخَذَ اللَّهُ الْمِيثَاقَ، وَعَلَيْهَا الْجَزَاءُ وَالْمُحَاسَبَةُ، وَعَنْهَا السُّؤَالُ يَوْمَ التَّلَاقِ، إِذْ يَقُولُ تَعَالَى: {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الْحِجْرِ: 92]، وَقَالَ تَعَالَى: {فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ} [الْأَعْرَافِ: 6]، فَأَمَّا سُؤَالُهُ تَعَالَى الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ} [الْقَصَصِ: 65]، وَالْآيَاتُ قَبْلَهَا وَبَعْدَهَا وَغَيْرُ ذَلِكَ. وَأَمَّا سُؤَالُهُ الْمُرْسَلِينَ فَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُوا لَا عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ} [الْمَائِدَةِ: 109]، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ، وَهِيَ أَعْظَمُ نِعْمَةٍ أَنْعَمَ اللَّهُ-عَزَّ وَجَلَّ- بِهَا عَلَى عِبَادِهِ أَنْ هَدَاهُمْ إِلَيْهَا؛ وَلِهَذَا ذَكَرَهَا فِي سُورَةِ النَّحْلِ الَّتِي هِيَ سُورَةُ النِّعَمِ، فَقَدَّمَهَا أَوَّلًا قَبْلَ كُلِّ نِعْمَةٍ، فَقَالَ تَعَالَى: {يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ} [النَّحْلِ: 2]، وَهِيَ كَلِمَةُ الشَّهَادَةِ وَمِفْتَاحُ دَارِ السَّعَادَةِ، وَهِيَ أَصْلُ الدِّينِ وَأَسَاسُهُ وَرَأْسُ أَمْرِهِ وَسَاقُ شَجَرَتِهِ وَعَمُودُ فُسْطَاطِهِ، وَبَقِيَّةُ أَرْكَانِ الدِّينِ وَفَرَائِضِهِ مُتَفَرِّعَةٌ عَنْهَا، مُتَشَعِّبَةٌ مِنْهَا، مُكَمِّلَاتٌ لَهَا، مُقَيَّدَةٌ بِالْتِزَامِ مَعْنَاهَا وَالْعَمَلِ بِمُقْتَضَاهَا، فَهِيَ الْعُرْوَةُ الْوُثْقَى الَّتِي قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا} [الْبَقَرَةِ: 256].قَالَهُ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَالضَّحَّاكُ، وَهِيَ الْعَهْدُ الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ-عَزَّ وَجَلَّ- إِذْ يَقُولُ: {لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا} [مَرْيَمَ: 87].قَالَ ذَلِكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ-رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: هُوَ شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَالْبَرَاءَةُ مِنَ الْحَوْلِ وَالْقُوَّةِ إِلَّا بِاللَّهِ، وَأَنْ لَا يَرْجُوَ إِلَّا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ. وَهِيَ الْحُسْنَى الَّتِي قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى} [اللَّيْلِ: 5-7]، الْآيَاتِ، قَالَهُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ وَالضَّحَّاكُ وَرَوَاهُ عَطِيَّةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَهِيَ كَلِمَةُ الْحَقِّ الَّتِي ذَكَرَ اللَّهُ-عَزَّ وَجَلَّ- إِذْ يَقُولُ تَعَالَى: {إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [الزُّخْرُفِ: 86].قَالَ ذَلِكَ الْبَغَوِيُّ. وَهِيَ كَلِمَةُ التَّقْوَى الَّتِي ذَكَرَ اللَّهُ-عَزَّ وَجَلَّ- إِذْ يَقُولُ: {وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا} [الْفَتْحِ: 26]، رَوَى ذَلِكَ ابْنُ جَرِيرٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ وَالتِّرْمِذِيُّ بِأَسَانِيدِهِمْ إِلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ-رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.وَهِيَ الْقَوْلُ الثَّابِتُ الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ-عَزَّ وَجَلَّ- إِذْ يَقُولُ تَعَالَى: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} [إِبْرَاهِيمَ: 27]، أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ-رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَهِيَ الْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ الْمَضْرُوبَةُ مَثَلًا قَبْلَ ذَلِكَ، إِذْ يَقُولُ تَعَالَى: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ} [إِبْرَاهِيمَ: 24].قَالَهُ عَلِيُّ بْنُ طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَصْلُهَا ثَابِتٌ فِي قَلْبِ الْمُؤْمِنِ، وَفَرْعُهَا الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِي السَّمَاءِ صَاعِدٌ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. وَكَذَا قَالَ الضَّحَّاكُ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَعِكْرِمَةُ وَمُجَاهِدٌ وَغَيْرُ وَاحِدٍ. وَهِيَ الْحَسَنَةُ الَّتِي ذَكَرَ اللَّهُ-عَزَّ وَجَلَّ- إِذْ يَقُولُ: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} [الْأَنْعَامِ: 160].وَقَالَ تَعَالَى: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ} [النَّمْلِ: 89].قَالَ ذَلِكَ زَيْنُ الْعَابِدِينَ وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ، وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ مَرْفُوعًا: «هِيَ أَحْسَنُ الْحَسَنَاتِ وَهِيَ تَمْحُو الذُّنُوبَ وَالْخَطَايَا». وَهِيَ الْمَثَلُ الْأَعْلَى الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ-عَزَّ وَجَلَّ- إِذْ يَقُولُ: {وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [الرُّومِ: 27].قَالَ ذَلِكَ قَتَادَةُ وَمُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ، وَرَوَاهُ مَالِكٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ. وَهِيَ سَبَبُ النَّجَاةِ كَمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمِعَ مُؤَذِّنًا يَقُولُ: «أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ» فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خَرَجْتَ مِنَ النَّارِ» وَفِيهِ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ-رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ شَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ النَّارَ».وَفِي حَدِيثِ الشَّفَاعَةِ الْآتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى: «أَخْرِجُوا مِنَ النَّارِ مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَكَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ إِيمَانٍ». وَهِيَ سَبَبُ دُخُولِ الْجَنَّةِ، كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ-رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ قَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَأَنَّ عِيسَى عَبْدُ اللَّهِ وَابْنُ أَمَتِهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ، وَأَنَّ الْجَنَّةَ حَقٌّ وَأَنَّ النَّارَ حَقٌّ؛ أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ الثَّمَانِيَةِ شَاءَ». وَفِي رِوَايَةٍ: «أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ عَلَى مَا كَانَ مِنْ عَمَلٍ». وَهِيَ أَفْضَلُ مَا ذُكِرَ اللَّهُ-عَزَّ وَجَلَّ- بِهِ وَأَثْقَلُ شَيْءٍ فِي مِيزَانِ الْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، كَمَا فِي الْمُسْنَدِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو-رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- عَنِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ نُوحًا-عَلَيْهِ السَّلَامُ- قَالَ لِابْنِهِ عِنْدَ مَوْتِهِ: آمُرُكَ بِلَا إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ؛ فَإِنَّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعَ وَالْأَرَضِينَ السَّبْعَ لَوْ وُضِعْنَ فِي كِفَّةٍ وَوُضِعَتْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فِي كِفَّةٍ؛ لَرَجَحَتْ بِهِنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَلَوْ أَنَّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعَ وَالْأَرَضِينَ السَّبْعَ كن حلقة مبهمة لقصمتهن لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ».وَفِيهِ عَنْهُ أَيْضًا عَنِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنَّ مُوسَى-عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- قَالَ: يَا رَبِّ عَلِّمْنِي شَيْئًا أَذْكُرُكَ وَأَدْعُوكَ بِهِ، قَالَ: يَا مُوسَى قُلْ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ.قَالَ مُوسَى: يَا رَبِّ كُلُّ عِبَادِكَ يَقُولُونَ هَذَا.قَالَ: يَا مُوسَى قُلْ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، إِنَّمَا أُرِيدُ شَيْئًا تَخُصُّنِي بِهِ.قَالَ: يَا مُوسَى لَوْ أَنَّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعَ وَالْأَرَضِينَ السَّبْعَ وَعَامِرَهُنَّ غَيْرِي فِي كِفَّةٍ وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فِي كِفَّةٍ مَالَتْ بِهِنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ».وَفِي التِّرْمِذِيِّ وَالنَّسَائِيِّ وَفِي الْمُسْنَدِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ-رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ اللَّهَ سَيُخَلِّصُ رَجُلًا مِنْ أُمَّتِي عَلَى رُءُوسِ الْخَلَائِقِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَنْشُرُ عَلَيْهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ سِجِلًّا، كُلُّ سِجِلٍّ مِثْلُ مَدِّ الْبَصَرِ ثُمَّ يَقُولُ: أَتُنْكِرُ مِنْ هَذَا شَيْئًا؟ أَظْلَمَكَ كَتَبَتِي الْحَافِظُونَ؟ فَيَقُولُ: لَا يَا رَبِّ فَيَقُولُ: أَفَلَكَ عُذْرٌ؟ فَيَقُولُ: لَا يَا رَبِّ فَيَقُولُ: بَلَى إِنَّ لَكَ عِنْدَنَا حَسَنَةً، وَإِنَّهُ لَا ظُلْمَ عَلَيْكَ الْيَوْمَ، فَيُخْرِجُ بِطَاقَةً فِيهَا أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ فَيَقُولُ: احْضُرْ وَزْنَكَ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ مَا هَذِهِ الْبِطَاقَةُ مَعَ هَذِهِ السِّجِلَّاتِ؟ فَقَالَ: فَإِنَّكَ لَا تُظْلَمُ قَالَ: فَتُوضَعُ السِّجِلَّاتُ فِي كِفَّةٍ وَالْبِطَاقَةُ فِي كِفَّةٍ، فَطَاشَتِ السِّجِلَّاتُ وَثَقُلَتِ الْبِطَاقَةُ، وَلَا يَثْقُلُ مَعَ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى شَيْءٍ».قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ. وَهِيَ الَّتِي لَا يَحْجِبُهَا شَيْءٌ دُونَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ كَمَا فِي التِّرْمِذِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو-رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: «لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ لَيْسَ لَهَا دُونَ اللَّهِ حِجَابٌ حَتَّى تَصِلَ إِلَيْهِ». وَفِيهِ أَيْضًا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ-رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «مَا مِنْ عَبْدٍ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُخْلِصًا، إِلَّا فُتِحَتْ لَهَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ حَتَّى تُفْضِيَ إِلَى الْعَرْشِ»، وَهِيَ الْأَمَانُ مِنْ وَحْشَةِ الْقُبُورِ وَهَوْلِ الْحَشْرِ كَمَا فِي الْمُسْنَدِ وَغَيْرِهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَيْسَ عَلَى أَهْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْشَةٌ فِي قُبُورِهِمْ وَلَا فِي نُشُورِهِمْ، وَكَأَنِّي بِأَهْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَقَدْ قَامُوا يَنْفُضُونَ التُّرَابَ عَنْ رُءُوسِهِمْ، يَقُولُونَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ».
|